
الثلاثاء، 13 أكتوبر 2009
في طفولتي

تعارف

الجمعة، 9 أكتوبر 2009
من مجموعة (الام ظهر حادة) كلبة فاطمة. كيف قررت كلبة فاطمة إلغاء فزع الطابور الصباحي وحصة التسميع ؟!!

فضيلي جماع:تجليات الوجود في:"آلام ظهر حادّة"، للقاص /عبدالغني كرم الله
الثلاثاء، 6 أكتوبر 2009
صديق محيسي : عبد الغني كرم الله :قراءة لنصوص تبحث في عبث الوجود

قبل الحديث عن الثورة التي ستحدثها مجموعة الام ظهر حادةعربيا وافريقيا وربما عالميا الان او لاحقا , يتعين علينا التركيز اولاعلي ما يمكن وصفه بنقطة تحول في السرديات السودانية التي احدثها عبد الغني, فمنذ المرحلة الاميبية للسرديات السودانية في اربعينات وخمسينات القرن الماضي, موت دنيا لمحمد احمد محجوب ومحمد عبد الحليم , والفراغ العريض لملكة الدار, وابراج الحمام لفؤاد احمد عبد العظيم, ذلك الافق الرومانسي الذي اطلت منه وبه الرواية والقصة القصيرة السودانية , فأن التحولات العميقة في مفاهيم الابداع بدأت دائما بعمل فني فيه روح المغامرة لاكتشا ف المناطق المجهولة في افاق الافكار و التخيل والتناول , فعلي صعيد الشعر مثلا كان جيلي عبد الرحمن وتاج السر الحسن ومحمد مفتاح الفيتوري ومحي الدين فارس وعبد الله شابو مكتشفون اوائل لمجاهل شعرية لم يكن في قدرة احد ارتيادها في ذلك الزمان, فهولاء الذين ثأثروا بثقافة الثورة علي المستعمر ونمت في وجدانهم روح اليسار الجديد , والرغبة في تخليص الكلمة من خمولها اللغوي وتوظيفها في خدمة قضية التحرر الوطني كانوا بمنطق تاريخ الحركة الثقافية ذاك واضعي اولي المداميك لمشروع حداثة ظل يتواصل تفاعلا و يتجدد قيمة حتي نهوض الواقعية الاشتراكية التي حملت خصائصها كتابات الاخوين ابراهيم واحمد عبدالحليم ( ايام الطفولة( رواية ) واصرار ( شعر) وكذا عبد الرحمن الشرقاوي في ( الارض ) وفتحي خليل في ( الجبل)وصلاح عبد الصبور, واحمد عبد المعطي حجازي, ومحمد مندور, ومحمود امين العالم , وعبد العظيم انيس في النقد, كان السودان يواجه رياح تغييرشديدة التأثير في نسيجة السياسي والاجتماعي ومن بين ما مسته تلك التحولات الثورية جيل جديد من المبدعين في الرواية والقصة القصيرة والشعر, فكان صلاح احمد ابرا هيم في ( البرجوازية الصغيرة) , والزبيرعلي وخوجلي شكرالله في (النازحان والشتاء)مجموعة قصص قصيرة وحسن الطاهر زروق( حسن وبهية )قصص قصيرة ,ابوبكر خالد بداية الربيع 1958 والنبع المر1960, و الطيب زروق في قصص سودانية 1975و الارض الصفراء قصص قصيرة1970ثم خرج من ذلك المعطف عيسي الحلو, مصطفي مبارك, محمود محمد مدني , وعثمان الحوري وعثمان حامد سليمان , وحسن محمد سعيد , ويوسف خليل وغيرهم من الاسماء, علي ان هذا التحول تجاه الواقعية الاشتراكية رافقته محاولات تجديدية اخري تمثلت في كتابات بشير الطيب وكمال شانتير معتمدين التيارالوجودي كخطاب ابداعي جديد تأثرا بزحف هذه الموجة التي اجتا حت اروربا في حقبتي الستينات السبعينات , البير كامي, وجان بول سارتر, وفرانسوا ساجان ,وسيمون ديبفوار في فرنسا ,والبريطانيان جون اوزبرن , وجاك كرواك اللذان اعلنا الحرب علي نتائج الحضارة الغربية .
تثير قضية الحداثة دائما اسئلة صعبة لاتجد الا اجابات متصادمة متزاحمة لاتفضي في النهاية الي حقيقة واحدة , وليس اعسرعلي القول من ان التجربة الابداعية يمكن استنساخها بمعني ان تحل روح روائي في روائي اخر, ولكن ايسر علي القول ان يتأثر روائي تأثرا كاملا ومعيبا بروائي اخر حتي يصل ذلك التأثرالي درجة وقع الحافرعلي الحافر.
ثمة ما يمكن الاتفاق عليه وهو ان الطيب صالح اخرج الرواية السودانية من حدودها الاقليمية الي افقها العالمي, لكن موسم الهجرة الي الشمال, وعرس الزين , ومريود مع اعتبارها علامات حدودية تفصل بين زمنين في روزنامة الحركة الروائية, الا ان ايقاع التطور يجعل منها تراثا اثريا يفتح الطريق امام مكتشفين جددا بادوات جديدة مثلما نحن اليوم امام مكتشف جديد هو عبد الغني كرم الله , فكرم الله يقع علينا جمعيا عبء الكتابة عنه حتي نقنع العالم علي سماع صوته , ولن ابالغ اذا قلت مرة اخري انه يعد ثورة في عالم الرواية السودانية والعربية والافريقية ايضا , وهذه وجهة نظري التي من المحتم الا يتفق معي فيها اخرون.
تعد رؤية عبد الغني تحولا هاما في عالم الرواية ا لسودانية والعربية والافريقية ايضا كما ليس من باب الشطح في القول اذا اشرنا الي ان رؤية كرم الله للاشياء ( الكائنات ) هي رؤية جديدة تماما لانجد لها شبيها في السرديات السودانية عدا ماذهب اليه بشري الفاضل عندما خلق شخوصا موازية للبشر وهو ماشرت اليه سابقا, فطوال مسيرة هذه السرديات كانت مادة الرواية , او القصة الفصيرة دائما هي الانسان باعتباره العنصر المكون للحياة والمحرك لاحداثها, ولم يرد كائن غير الانسان في معطم الروايات العربية, ثم العالمية , الا في حكايات كليلة ود منة التي اختارت نماذجها من الحيوانات, وهي احاج تبحث في مفاهيم الشر والخير في اسلوب فلسفي رومانسي .
ما يميز كرم الله انه اختار عالما شموليا عندما قررصنع مادته القصصية , وشمولية هذا العالم اقتضت منه كما ذكرنا ممارسة التوحد مع كائناته (مخلوقاته ) الحية والجامدة معا , فهو عبر رؤية فلسفية تقترب من البوذية وتتفوق عليها احيانا, نفخ في جوزي الحذاء روحا , كما فعل ذلك مع الطمي الريح , والشجر, والحصي , ( ثم جاءت رائحة النورس والسمك وبتلات البصل , ورائحة نعال ملقي في الخلاء , ورائحة عرق مالح من صدور عشرات المزارعين والعمال, ورائحة الاسمنت من حائط شاهق , وتجيء بعد ذلك روائح الروث , والسندس, ومصنع النسيج لتركب في سفينة الريح, هذه الصورالتي وردت في قصة( رائحة الطمي ) اكسبها القاص سمة كونها تحس وتفكر وتحلم كجزء من كون زاخر بقيم علوية تأخذ من الطبيعة ذلك المجال الواسع الشاسع صيرورتها كمظهر من مظاهر الحياة وهي في مسيرتها الموغلة في القدم , يماهي كرم الله بين السكون والحركة, وبين الصمت والكلام’ وبين النور والظلام في نسيج شخوصه, ويعطي هذه الشخوص بعدا روحيا بصبغة ربانية بأعتبار ان كل مخلوق هو صناعة علوية له وظيفة في الحياة, كما ان السيرورة التي يسبغها الكاتب علي الاشياء تستمد مادتها من اثر فلسفي يقترب ويبتعد عن الفكر الجمهوري الذي لايزال يتخلل خطابه العلوي, يقترب من هذا الفكر حين يبحث في كنه الانسان ذلك الكائن المركب من الخير والشر, والمتروك لافعاله يطابق بها اقواله, ويبتعد عنه حين يتعامل معه كحامل معرفي لحقيقة الاشياء في حركتها الارضية يتفاعل داخلها الخطأ والصواب , والسالب والموجب , ولاتقود الرؤية البرانية للشيء في ثباته الا الي خديعة معرفية لاتشرح الا مظهرها اذا حاولت نفي الجدل المادي الكامن في جوهر الظواهر الكونية .
( لماذا لا يقلد بني آدم إخوانهم الموتى في قبورهم، بل في قصورهم، أليس هم أحياء، بل في حياة أخصب وأمتع، أكتفوا بوطن صغير، حفرة صغيرة مظلمة كما يتراءى للعميان، عرضها السموات والأرض، استغنوا عن الماء والهواء والعطور، والأهم الأحذية، (ما أكثر الأشياء التي لا يحتاجها الإنسان)، آثروا باطنها الأمن، عن ظاهرها الحزين، الملئ بالحروب والعواصف والشوك، عرجوا إلى دنيا الدواخل، فالروح الإلهي منفوخ في الجسد، فالنائم في غرفة مظلمة وحارة، يحلم بالشمس، وبسهول خضراء، وربيع دائم، كذا القبر، بل أنضر وأجمل، إنها عوالم كثيرة، فلا تجعل من فانوس عقلك الواهن عصاه سير، راقدين كالجذور في خلوة القبر، في جنة القبر،(كفوا عن الرحيل.. كأنهم يقمزون لبني آدم بذلك)، أنهم أعظم قدوة ومثال لبني آدم لو كانوا يعلمون، "فما ليس فيك، فلا تبحث عنه في أي مكان آخر"، أعن هذا يسار إلى الطعان ).
يسيطر خيال الطفل علي رؤية عبد للاشياء , فالطفولة وحدها هي القادرة علي خلق عالم بعيد عن الواقع الارضي, والطفل حين يحدق في السماء يتحول عنده السحاب الي اشكال من الحيوانات , والرؤس المقطوعة لمخلوقات خرافية , ان محاولة الامساك بظل شجرة كما في قصة (الدجاجة اقوي من الاسد ) هو جنوح فائق لخيال طري يريد تحويل المستحيل الي ممكن .
في حمار الواعظ يظهر كرم الله كم هو مدهش ان يتحول الدين الي عادة يمارسها هذا الرجل كانما هو مكلف باعطاء رسالة ناقصة الي الناس البسطاء, فهو يتحدث في خطب الجمعة حاسا الاخرين علي الخوف من الله العزيز الجبار الذ ي لاتاخذه سنة ولانوم, بينما هو لايفعل ذلك في العلاقة مع حماره الذي يعذبه ليل نهار, يستنطق كرم الله في هذه القصة الحمارعبر منولوج داخلي يكشف به قدرة الحمير علي التفكيرفي احوالها وظلم البشر لها ويطابق هذا الحكايات الشعبية التي تقول ان الحمير تكون ساهمة دائما الي السماء في انتظار ان يعود احد ابناء جنسها الذي حمل ر سالة ا لي هناك , وقد عبر الفنان ابراهيم الصلحي عن ذلك في لوحاته الشهيرة تحت تأملات.
( انا حمار الواعظ وللحق لولا صبري الوراثي والحبل الذي يشدني الي جذع الشجرة في ظهيرة تلك الجمعة لدخلت ذلك المكان الكبير الضخم والذي تعلوه مئذنة عالية و شققت الصفوف الي المنبر, ثم ادير ظهري له , وبكل قواي ارفس الواعظ الذي يتكلم عن الرفق بالحيوان , ثم انهق نهيقا تسمعه عبر مكبر الصوت الانس والجنس تعبيرا عن ثاري , فاثار الصوت وكدمات العصي علي ظهري التعيس ) يمثل الواعظ الصراع بين القول والعمل, او ان كرم الله تعمد اسقاط البعد السياسي في حالة الواعظ وحماره
يقدم كرم الله نفسه في حوار مع جريدة الصحافة فيقول , ( في البداية كتبت الشعر وانا اعتبر الشعر ذروة التعبير ولا يأتي الا لماما او انعطاف وجدي ، لاحقا جاء التعبير بالسرد والسرد اناء اكبر لكلام اكثر من الشعر ففي السرد تجد نفسك امام كاهن تود ان تعترف له او وطن بديل تلوذ به او تخصيب للحياة بواسطة الادب "آلام ظهر حادة" من اسمها كانت معضلة بالنسبة لي ومن اكثر القصص التي استمتعت بكتابتها في هذه المجموعة قصة (آلام ظهر حادة) لان فيها اسقاط لفكرة التسيير وهي فكرة قديمة اعيت المفكرين والفلاسفة وهي هل الانسان مسير ام مخير والاجابة علي هذا السؤال تتناسل منها اسئلة اخرى وبطل القصة حذاء لاحول له ولا قوة تنتعله ارجل بشرية تسير به .
لدي عبد الغني ( اعتقاد قوي بأن الاشياء تتحدث دائما حينما تقوم في الثلث الاخير من الليل تجد ان الكون فيه سر ما تجد ان الاشياء ممتلئة حيوية وتشعر بهذه الحيوية عندما تري الاطفال وهم يحاولون ان يتحدثوا مع الحيوان والجماد وهم مستمتعون. الاية القرآنية «انطقنا الله الذي انطق كل شئ» الحديث النبوي عن جبل احد (جبل يحبنا ونحبه) وايضا السيد المسيح عندما لقي تلاميذه على قارب واحيط بهم فتكلم مع البحر فهدأ كما يهدأ الطفل فالحياة حمالة اوجه اينما تولي فثم وجه الله )
تمثل قصة ( كلبة فاطمة ) انهيار السلطة امام الخوف , وسقوط الكبرياء في لحظة الضعف الانساني , هذه اللوحة الساخرة والتي تدفع القاريء الي الضحك تبدو كفيلم سينمائي تجري مشاهده في سوق القرية ( في هذا الحشر جري الناظر بصورة تحافظ علي وقاره وعلي قدسية الراي العام وكلما اقتربت الكلبة من رجلية نسي جزءا من الوجود المحيط من الباعة والنساء والشماسة, كانت الضحكات الساخرة تصل الي اذنيه وتجرحه , ولكن كشرت الكلبة عن عداوة قديمة فاوصله الخوف حد الصفر بين ان يضع للراي العام بالا , وبين انقاذ نفسه وباي طريق , وباي اسلوب خاطيء ام صواب , رديء ام جيد , مضحك ام مثالي, اما اهل السوق فا لجائع نسي جوعه, والحرامي اجل شغله , والصعلوك همدت رغبته, فقد تاجل البيع والشراء حتي يتفرجوا عليه , حتي ينسوا همومهم وغمومهم للحظة صغيرة )
هذا المشهد الذي يصعد فيه الخط الدرامي الي اعلي درجاته يربط ربطا محكما بين داخل الشيء وخارجه , شكله ومضمونه , صوته وصداه , فالناظر الذي كان يذرع الرعب في قلوب تلاميذه يفشل في المحافظة علي جبروته , كم هي الفضيحة مدمرة للذات, وكم هي طاردة للوقار الذي لا يجدي نفعا اليوم , ان قصة كلبة فاطمة نستجلي فيها انهيار سلطة الناظر الغاشمة امام عبثية الكلبة التي اختارت ان تكون وسيلة تعلن بها موت انسان سلم نفسه الي المجهول , ثم ياتي كرم الله في الجزار ملك الغابة لتعيش معزة سعاد ماساتها لوحدها عندما تكتشف الخلل الكوني في علاقتها مع الجزار, فالجزار لا ينظر اليها الا بوصفها طعاما للبني ادم لكنها تري انها واهبة الحياة للاطفال وان من حقها ان تعيش وتحلم بالبوع الخضراء وتغازل تيس القرية , وان حليبها هو الذي يمنع سعاد واسرتها من العوذ الذي يؤدي الي الموت , في هذه القصة يغوص عبد الغني في مشاعر بدائية مبهمة ينفي فيها الغريزة التي تواطا الادميون علي ان يصفوا بها الحيوان , فهو يحدد سمو هذه الغريزة بالرغبة في الحياة بل ويلغي المساحة بين اردة العقل المفكر, والنزوع الطبيعي الذي يمكن ان يكون تفكيرا , ومن ذا الذى يستطيع ان يجزم ان الشاه حين تواجه الجزار لاتشعر بدنو الموت منها فترتعد ووتتغوط علي نفسها ؟, ان نظرات الخروف الزائغة حين تقترب السكين من عنقه هي اشبه بمشاعر السجين حين يساق في اللحظات الاخيرة الي المقصلة واذا كان السجين يتحول كله الي حلم بالامل في الانقاذ في اخر لحظة, فان الشاة تحلم بالروابي الخضراء ( وسوف اذهب الي العالم الاخر الذي لا اعرف عنه شيئا سوي انه نهاية الارض, ثم اسقط في هاوية سوداء مالها من قرار )
ان اذني عبد الغني تصغيان الي اصوات كونية لايسمعها الا هو, وتلك شطحة صوفية تمسك بتلابيب الروح التي تعذبها الاسئلة المتوالدة بلا نهاية ,فالكائنات والظواهر عنده هي اشارات تجريدية الي معان لايتركها الزمن ان تكتمل, وهكذا يستمر عذاب الاسئلة يسيطر عليه فيصبح الوجود كله امامه حركة لاتستقر علي حالة والا تبدلت الي نقيضها.
ليس الذي قمت به تجاه هذا الروائي الواعد هو دراسة نقدية, لان الدراسة النقدية تتطلب ادوات اكثر دقة في التعامل مع النصوص , طبيعتها , واصولها , ومحتواها , والي اي نتيجة ستنتهي , ولكن ما سجلته يعتبر بالنسبة لي تجربة شخصية خالصة, تجربة قارئء يبحث في الخيال ويري فيه مخلصا للبشر من ورطة الوجود بقوانينه الصارمة التي لايقدر احد علي تغييرها .
الأحد، 4 أكتوبر 2009
حمار الواعظ في باريس!!

يا ترى حين يسعى الواعظ وحماره في شوارع باريس، أي إثارة ستنطبع على خواطرهم (أقصد القارئة، أو القارئ)؟!!. لا أدري لم جرى خاطري (للقارئة في البدء)، أهو تناص للسيباب النحيف، القبيح، حين قال (ياليتني كنت ديواني، لأفر من صدر إلى ثان)!!. هل نكتب لقارئة متخيلة!! أليست الكتابة "مغرضة"، بصورة من الصور!!. من هي، (ذواتنا)، ألهذا غاب المتصوفة في (سلمى ولبنى وليلى)، كحواء الروح، حين تكون الأم هي الزوجة، قبل أنماط الخلق الأرضي.. فالحمار هناك ماض، أيقونة تعرض في "حديقة الحيوان"، وفي قريتي واقع معاش، كالمترو، والموبايل والساندوتش في باريس، لا غناء عنه، بل هو هنا، بطل في قريتي، وجندي مجهول هناك، بربك كيف يلتقيان؟ (أيضا بالنسبة للقاري الفرنسي)!! وشتان بين (قراءته كماض، وواقع يعاش، دافئ،كخبز جلب للتوء من الفرن)... أم أترك الحبل للقارئ، بلا وصاية، وأترك للخيال قدسيته، فهو إله، لا استحاله بجعبة (أي الخيال)، وتكفي اساطير اليونان وليال ألف ليله، ومائة عام من العزلة، على تمجيد الخيال الإنساني، العظيم، لدى المبدع، أو المتلقى، فهم روحان حللنا بدنا، بعد ظهور (إبداعية المتلقي).!! ولكني على شك، يراودني، رغم كل ذلك، هل سيحسون بأن هذا الحمار التعيس، يحمل على ظهره واعظا حنبيلاً، أم شافعياً، أم مالكياً، أم متصوفا؟ أم مجرد واعظ والسلام. وهل يدركون بأن كل هؤلاء الوعاظ (مسلمين)، إلا أن لا رابط بينهم، عبر التاريخ، سوى السيف والعداء والتكفير، والتربص، فلم تحترق بغداد إلا بسيف الاعتزال ضد القرامطة والمتصوفة والخوارج والتشيع، وحوادث الخرطوم الدموية الأخيرة، ماهي إلا فهمان للدين الواحد، لا أكثر ولا أقل!! والأحزاب المؤثرة في بلدي: الأمة والاتحادي والاخوان المسلمين، مرجعهم جميعا (القرآن والسنة)!! هل يتمثلون غرابة هذا الأمر، كما تجلت في المسحية (كاثوليك وبرتستات، وغيرهم، حتى (شيفرة دانفشي لبروان، والرغبات الاخيرة للسيد المسيح لجوزيه كازنتزاكيس)!.. من يملأ ما بين السطور، فكلمة حمار في قريتي تولد في ذهن أهلي البسطاء معاني أكثر من مياه البحر الابيض المتوسط، وتولد كلمة "الواعط" معان من التقديس، والكراهية، والبغض، لا تحصر، وأهمها (بالنسبة لي) : رجل لا يفهم الحياة، ووكل إليه أمر تنظيمها)، بربك كيف تنحك الثريا سهيلا!!. ويبدو نهيق الحمير، لمن يكره الوعاظ، أحلى من صراخهم الكاذب من على المنابر، ولو "أن أنكر الأصوات لصوت الحمير"!!.. هل سيحسون بحماري، يؤرقني الأمر، فالنائحة الثكلى ليس كالمستأجرة، وهل سيسمعون الاصوات بأذنه الضخمة التي تتوج رأسه الجميل، "إن كانت القراءة تعني التقمص الأصيل"، فسوف يسمعون صوت الصراصير كأنها رعد، حيث يتمثلون حاله، فحركة اذنيه في الذريبة، يزعجها وقع خطوات النمل تحت حوافره.. وبادرني السؤال التقليدي، لم أختار "حمار الواعظ"، من مجموعتي (آلام ظهر حادة)، كلها، وهي تحوي 12 نص؟!! بالنسبة لي هي قصة عادية، من حيث تكنيك القص، والحبكة، وغرابة الموضوع، ولكني كتبتها بحنان بالغ للحمير، فأنا أحبهم " 4 كيلو، من وإلى المدرسة الابتدائية، يوميا على ظهورهم"، ولكننا أكثر رأفة من الواعظ، وأقل ثقلا من كرشة السمين!.. لم لم يختار مثلا "رائحة الطمي"، أو " آلام ظهر حادة" ذاتها، صاحبة الاسم، للمجموعة... فعلا، يا لتعدد القراءات، .... وطبعا، لم أسرف في وصف (الواعظ)، لأني حين كتبتها، كان القراء الذين أكتب لهم هم، على التحديد (بدرالدين عثمان، وعبدالله عثمان، الشبلي، وأمين، وأحمد جون، ومحمد بركات، وسيد رجب، وحسن أبكر، ونسرين عجبان)، فقط لاغير، وللحق أكتفي بهم للآن، وهم أقرب اصحابي، ولذا لم أتوسع في وصف "الواعظ"، لأنهم جميعاً يعرفون شكله، وسمته، وروحه، وقدسيته، وتناقضه، ومأكله "له الولائم"، ومقعده "له الصدر دون العالمين"، وملبسه، وهنا لا تكفي سطور القصة كلها لوصف ملبسه "الأزهري" المميز، رغم الحديث النبوي "أن الله يكره على العبد أن يتميز على أصحابه"، ولو بالملبس، وكان الأعراب حين يزورن النبي لا يفرزونه، إلا بعد تعريف نفسه!!.. وملبسه هو عمامه بيضاء، بحجم غيمة تحجب شمس الظهيرة، وملفحة، وعراقي، وسروال، وفوقهم جلابية، ثم عباءة ملونه، وطاقية، وعلى كتفه شال مميز، أي ملابس لو فرشت على الأرض، لغطت أكثر من مائة شماسي، مشرد نائم في ميدان الامم المتحدة، أو حول أطلال سينما كلوزيوم، وكمبوني. فإين (هذا دمي خمرا، هذا لحمي خبزا)!!.. فهل تسمع (القارئة)، والتي تنطق اسمع الشيخ جادالله خطئا، مهما أنهكت لسانها "الأعجم"، وقع حوافر أرجله وفوقه الواعظ السمين، والذي اكتفى في تحصيله الديني على كتاب ألف منذ 7 قرون، ولم يزد عليه سطر كتب بعد ذلك، وهو يكفر، ليوم الناس هذا، من يدعى بأن الأنسان مشى على القمر "لأنه في السماء الخامسة"، كما أن النجوم حجمها كحبة العنب، كما يقول (الزمخشري)،لذا فهي تتهاوى في النيل الازرق يوم القيامة، كالحجارة الصغيرة، والويل كل الويل لمن يقول بأن النجوم أكبر من الأرض، وما عليها من جبال ومدن وحمار وواعظ، فالويل كل الويل له، كجاليليو.. حتما، حين كتبتها، لم يجري بخاطرئ قارئة فرنسية جميلة، تتعرف على حماري بلغتها هي، فهل تحس به مثلي، أم أكثر، أم ينثال بذهنها تصور لا علاقه له بحماري، والشيخ جاد الله، وهنا تبرز فكرة (مستويات القراءة والتأويل)، وموتي "موت المؤلف)، فليرحمني الله، مع حماري، بل وواعظي المنافق!!.. وأخيرا، هانذا اتجول بحماري وواعظه في باريس، بدلا من طائرة وفيزاء، بعد أن أظهرالهوس الديني خطورة على المجتع الدولي،بلا استثناء، فحرم الكثيرين من التجول في اصقاع الكوكب، والتعارف، ومتعة الترحال (من المحال)، وكفى الله ابن بطوطة (خير التجوال)... وللحق كدت اقع على قفاي، وأنا اتمعن وجه الواعظ وهو يتجول في باريس بحماري الذي خلقته من ضلوع حروفي، كما خلق آدم حواء (لا أصدق هذه الاسطور، فحواء أقرب لخلق آدم، وليس العكس)، وهو يخترق الشانزليه، وهو يتوارى خجلا، وكذبا، حين يجد فتاة وفتى في قبلة طويلة تحت اشجار الصبار، وأكاد اسمع وقع حوافره في بلاط حديقة لوكسمبورغ، وتعجب الفتيات من ملابس الواعظ، وعمامته، ولحيته، وحماره!! وتعجب دعاة حقوق الحيوان، بل أراه يقف في تقاطع في الحي اللاتيني، حين يرى تمثال فتاة عارية، وسوف يهوي بعصاه على التمثال، وحين تتكسر عصاه، لقوى التثمال، سيخلع عباءته، ويغطي عورة الفتاة، وهو معرض وجهه عنها، وهو "يستغفر الله"، من الفسوق والمروق!... للنحات والتمثال، والأصنام!!.. والفتاة العارية تنظر بدلال عجيب جه الشرق، وقد حطت بعض العصافير على كتفها، ونشوة الفنان في نحت الدلال بيديه، لم يراه الواعظ في ظل غضبه.. هل تحسون بمعاناة الفن التشكلي في بلدي، حيث التماثيل اصنام (وفي البال تحطيم تمثال بوذا في افغانستان، وتمثال الاستاذ محمود محمد طه في كلية الفنون الجميلة في الخرطوم، بداية التسعينات)، وجهان لعملة واحدة.. وحياة الواعظ، لاتخلو من سهره ليال طوال، ليس للذكر، أو وجع ضروسه المسوسة من أكل الولائم والبلح، ولكن لمعضلة فقهية جديدة، لم تمر على ذهن واضعي الكتب الصفراء القديمة، مثل (زواج وطلاق الانترنت)، وبيع الطيور في السماء وبين الاغصان، وحرمة صوت الفتاة من خلال الموبايل، وخلوة (الماسنجر)!!... وهو ينحرف من الشازليه، كي يبارك الزوجة الثالثة لحمدان الجزار، أو يفتى بحرمة بيع نجوم السماء، أو يلوي (شريعته)، كي يعيد سعد لزوجته بعد ثلاث طلقات.. وأن بيده إدخال الناس الجنة والنار، مثل جدكم حين قال (أنا الدولة)، ومن سار على الدرب وصل، والتاريخ يتشابه، هنا وهناك، فالإنسان واحد، حيث كان.. حتما القصة لم تكتب لواعظ بعينه، بل حصان طروادة، كان ماثل بذهني، وهو الشيخ جاد الله، رمز السلطة الدينية، وخاصة في العقدين الآخرين، فقد كانت السلطة الدينية مقصورة على الجامع وبعض المؤسسات، ولكن هاهي تهيمن على السلطة، وأجهزتها التشريعية والتنفيذية والقضائية والدستورية، والإعلامية، ويصل سيفها وقهرها وسلطان للكل، ويطال تعسفها جميع الشعب بلا استثناء، وبقوة السلطة والثروة، ساقت الشعب للذل، والاستكانة، والتشريد والهجرة والجنون. فحين نضع هذا الواعظ بيننا وبين الله، أو بينه وبين أنفسنا، أو بينه وبين أي حقيقة أزلية، كمن يضع زجاج أسود، أو قل جدار معتم، بيننا وبين زهرة معطار، فنحرم لونها البديع، وعطرها الذكي. فالإنسان هو واعظ نفسه، بأعظم واعظ، عادل وعبقري، وهما (العقل والقلب)، وهما معك قبيل الميلاد، فهم أحق بالرعاية والتعظيم، والترقي..وفي البال مآسي :جلد الفنانين، حرق المكتبة الغنائية لعثمان حسين وعركي والكاشف، حرق الكتب والتلصص وجلد الفتيات بسوء الظن، والتلصص على الأسر والبيوت، وتكريس العاطفة الدينية الفجة، واستفزاز الاديان الأخرى، وإهانة الفكر، والإبداع الحر، وإثارة النعرات القبيلة والعنصرية، والدينية.. **** وأنا أعرف واعظي جيدا، فقد يساهر الليل كله، لأن معضلة فقهية أرقته، وهي تتعلق بأن كلب قطع الصلاة، أو رن الهاتف بأغنية (قاسي قلبك علي ليه)، أثناء تكبيره الإحرام.. فاليوم سوف يساهر حتى الصبح، في مختبره، كي يجد محلولا، ودواء ناجع ل: بيع الطيور في السماء وحرمة صوت المرأة في الموبايل.. و.. وفتاو أخر..
اللوحة : من أعمال السادات